تفسير سورة العنكبوت كاملة مختصر

  1. التفسير
  2. سور أخرى
  3. السورة mp3
تفسير القرآن | surah (العنكبوت) - تفسير سورة العنكبوت - تفاسير معتمدة | رقم السورة 29 - عدد آياتها 69 - مدنية صفحتها في القرآن 396.

قراءة و تفسير سورة العنكبوت Al-Ankabut.

bismillah & auzubillah

العنكبوت مكتوبة سورة العنكبوت mp3

الم(1)

التفسير المختصر:
(آلم) سبق الكلام عن نظائرها في بداية سورة البقرة.
تفسير الجلالين:
 «الم» الله أعلم بمراده بذلك.
تفسير السعدي:
تقدم الكلام عن الحروف المقطعة

أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ(2)

التفسير المختصر:
أَظَنَّ الناسُ أنهم بقولهم: آمنا بالله، يُتْركون دون اختبار يبين حقيقة ما قالوا، هل هم مؤمنون حقًّا؟! ليس الأمر كما ظنوا.
تفسير الجلالين:
 «أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا» أي: بقولهم «آمنا وهم لا يفتنون» يختبرون بما يتبين به حقيقة إيمانهم، نزل في جماعة آمنوا فآذاهم المشركون.
تفسير السعدي:
يخبر تعالى عن [تمام] حكمته وأن حكمته لا تقتضي أن كل من قال " إنه مؤمن " وادعى لنفسه الإيمان، أن يبقوا في حالة يسلمون فيها من الفتن والمحن، ولا يعرض لهم ما يشوش عليهم إيمانهم وفروعه، فإنهم لو كان الأمر كذلك، لم يتميز الصادق من الكاذب، والمحق من المبطل، ولكن سنته وعادته في الأولين وفي هذه الأمة، أن يبتليهم بالسراء والضراء، والعسر واليسر، والمنشط والمكره، والغنى والفقر، وإدالة الأعداء عليهم في بعض الأحيان، ومجاهدة الأعداء بالقول والعمل ونحو ذلك من الفتن، التي ترجع كلها إلى فتنة الشبهات المعارضة للعقيدة، والشهوات المعارضة للإرادة، فمن كان عند ورود الشبهات يثبت إيمانه ولا يتزلزل، ويدفعها بما معه من الحق وعند ورود الشهوات الموجبة والداعية إلى المعاصي والذنوب، أو الصارفة عن ما أمر اللّه به ورسوله، يعمل بمقتضى الإيمان، ويجاهد شهوته، دل ذلك على صدق إيمانه وصحته.
ومن كان عند ورود الشبهات تؤثر في قلبه شكا وريبا، وعند اعتراض الشهوات تصرفه إلى المعاصي أو تصدفه عن الواجبات، دلَّ ذلك على عدم صحة إيمانه وصدقه.
والناس في هذا المقام درجات لا يحصيها إلا اللّه، فمستقل ومستكثر، فنسأل اللّه تعالى أن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وأن يثبت قلوبنا على دينه، فالابتلاء والامتحان للنفوس بمنزلة الكير، يخرج خبثها وطيبها.

وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ(3)

التفسير المختصر:
ولقد اختبرنا الذين كانوا قبلهم، فليعلمنّ الله علم ظهورٍ ويكشف لكم صدقَ الصادقين في إيمانهم وكذب الكاذبين فيه.
تفسير الجلالين:
 «ولقد فتنَّا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا» في إيمانهم علم مشاهدة «وليعلمنَّ الكاذبين» فيه.
تفسير السعدي:
يخبر تعالى عن [تمام] حكمته وأن حكمته لا تقتضي أن كل من قال " إنه مؤمن " وادعى لنفسه الإيمان، أن يبقوا في حالة يسلمون فيها من الفتن والمحن، ولا يعرض لهم ما يشوش عليهم إيمانهم وفروعه، فإنهم لو كان الأمر كذلك، لم يتميز الصادق من الكاذب، والمحق من المبطل، ولكن سنته وعادته في الأولين وفي هذه الأمة، أن يبتليهم بالسراء والضراء، والعسر واليسر، والمنشط والمكره، والغنى والفقر، وإدالة الأعداء عليهم في بعض الأحيان، ومجاهدة الأعداء بالقول والعمل ونحو ذلك من الفتن، التي ترجع كلها إلى فتنة الشبهات المعارضة للعقيدة، والشهوات المعارضة للإرادة، فمن كان عند ورود الشبهات يثبت إيمانه ولا يتزلزل، ويدفعها بما معه من الحق وعند ورود الشهوات الموجبة والداعية إلى المعاصي والذنوب، أو الصارفة عن ما أمر اللّه به ورسوله، يعمل بمقتضى الإيمان، ويجاهد شهوته، دل ذلك على صدق إيمانه وصحته.
ومن كان عند ورود الشبهات تؤثر في قلبه شكا وريبا، وعند اعتراض الشهوات تصرفه إلى المعاصي أو تصدفه عن الواجبات، دلَّ ذلك على عدم صحة إيمانه وصدقه.
والناس في هذا المقام درجات لا يحصيها إلا اللّه، فمستقل ومستكثر، فنسأل اللّه تعالى أن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وأن يثبت قلوبنا على دينه، فالابتلاء والامتحان للنفوس بمنزلة الكير، يخرج خبثها وطيبها.

أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا ۚ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ(4)

التفسير المختصر:
بل أَظَنَّ الذين يعملون المعاصي من الشرك وغيره أن يعجزونا، وينجوا من عقابنا؟ قَبُحَ حكمهم الذي يحكمون به، فهم لا يعجزون الله، ولا ينجون من عقابه إن ماتوا على كفرهم.
تفسير الجلالين:
 «أم حسب الذين يعملون السيئات» الشرك والمعاصي «أن يسبقونا» يفوتونا فلا ننتقم منهم «ساء» بئس «ما» الذي «يحكمونـ» ـه حكمهم هذا.
تفسير السعدي:
أي: أحسب الذين همهم فعل السيئات وارتكاب الجنايات، أن أعمالهم ستهمل، وأن اللّه سيغفل عنهم، أو يفوتونه، فلذلك أقدموا عليها، وسهل عليهم عملها؟ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ أي: ساء حكمهم، فإنه حكم جائر، لتضمنه إنكار قدرة اللّه وحكمته، وأن لديهم قدرة يمتنعون بها من عقاب اللّه، وهم أضعف شيء وأعجزه.

مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(5)

التفسير المختصر:
من كان يأمل لقاء الله يوم القيامة ليثيبه فليعلم أن الأجل الذي ضربه الله لذلك لآت قريبًا، وهو السميع لأقوال عباده، العليم بأفعالهم، لا يفوته منها شيء، وسيجازيهم عليها.
تفسير الجلالين:
 «من كان يرجو» يخاف «لقاء الله فإن أجل الله» به «لآتٍ» فليستعد له «وهو السميع» لأقوال العباد «العليم» بأفعالهم.
تفسير السعدي:
يعني: يا أيها المحب لربه، المشتاق لقربه ولقائه، المسارع في مرضاته، أبشر بقرب لقاء الحبيب، فإنه آت، وكل آت إنما هو قريب، فتزود للقائه، وسر نحوه، مستصحبا الرجاء، مؤملا الوصول إليه، ولكن، ما كل من يَدَّعِي يُعْطَى بدعواه، ولا كل من تمنى يعطى ما تمناه، فإن اللّه سميع للأصوات، عليم بالنيات، فمن كان صادقا في ذلك أناله ما يرجو، ومن كان كاذبا لم تنفعه دعواه، وهو العليم بمن يصلح لحبه ومن لا يصلح.

وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ(6)

التفسير المختصر:
ومن جاهد نفسه بحملها على الطاعة والبعد عن المعصية، وجاهد في سبيل الله فإنما يجاهد لنفسه؛ لأن نفع ذلك عائد إليها، والله غني عن المخلوقات كلها، فلا تزيده طاعتهم، ولا تنقصه معصيتهم.
تفسير الجلالين:
 «ومن جاهد» جهاد حرب أو نفس «فإنما يجاهد لنفسه» فإن منفعة جهاده له لا لله «إن الله لغني عن العالمين» الإنس والجن والملائكة وعن عبادتهم.
تفسير السعدي:
وَمَنْ جَاهَدَ نفسه وشيطانه، وعدوه الكافر، فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ لأن نفعه راجع إليه، وثمرته عائدة إليه، والله غني عن العالمين، لم يأمرهم بما أمرهم به لينتفع به، ولا نهاهم عما نهاهم عنه بُخْلًا عليهم.
وقد علم أن الأوامر والنواهي يحتاج المكلف فيها إلى جهاد، لأن نفسه تتثاقل بطبعها عن الخير، وشيطانه ينهاه عنه، وعدوه الكافر يمنعه من إقامة دينه، كما ينبغي، وكل هذا معارضات تحتاج إلى مجاهدات وسعي شديد.

وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ(7)

التفسير المختصر:
والذين آمنوا وصبروا على امتحاننا لهم، وعملوا الأعمال الصالحات لنمحونّ ذنوبهم بما عملوه من الأعمال الصالحة، ولنثيبنّهم في الآخرة أحسن الذي كانوا يعملون في الدنيا.
تفسير الجلالين:
 «والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم» بعمل الصالحات «ولنجزينهم أحسن» بمعنى: حسن ونصبه بنزع الخافض الباء «الذي كانوا يعملون» وهو الصالحات.
تفسير السعدي:
يعني أن الذين منَّ اللّه عليهم بالإيمان والعمل الصالح، سيكفر اللّه عنهم سيئاتهم، لأن الحسنات يذهبن السيئات، وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ وهي أعمال الخير، من واجبات ومستحبات، فهي أحسن ما يعمل العبد، لأنه يعمل المباحات أيضا، وغيرها.

وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا ۖ وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۚ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(8)

التفسير المختصر:
ووصينا الإنسان بوالديه أن يبرّهما ويحسن إليهما، وإن جاهدك والداك -أيها الإنسان - لتشرك بي ما ليس لك بإشراكه علم - كما وقع لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه من أمه - فلا تطعهما في ذلك لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، إليّ وحدي رجوعكم يوم القيامة، فأخبركم بما كنتم تعملون في الدنيا، وأجازيكم عليه.
تفسير الجلالين:
 «ووصينا الإنسان بوالديه حسناً» أي إيصاء ذات حسن بأن يبرهما «وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به» بإشراكه «علم» موافقة للواقع فلا مفهوم له «فلا تطعهما» في الإشراك «إليَّ مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون» فأجازيكم به.
تفسير السعدي:
أي: وأمرنا الإنسان، ووصيناه بوالديه حسنا، أي: ببرهما والإحسان إليهما، بالقول والعمل، وأن يحافظ على ذلك، ولا يعقهما ويسيء إليهما في قوله وعمله.
وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ وليس لأحد علم بصحة الشرك باللّه، وهذا تعظيم لأمر الشرك، فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فأجازيكم بأعمالكم، فبروا والديكم وقدموا طاعتهما، إلا على طاعة اللّه ورسوله، فإنها مقدمة على كل شيء.

وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ(9)

التفسير المختصر:
والذين آمنوا بالله وعملوا الأعمال الصالحات لندخلنهم يوم القيامة في الصالحين، فنحشرهم معهم، ونثيبهم ثوابهم.
تفسير الجلالين:
 «والذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين» الأنبياء والأولياء بأن نحشرهم معهم.
تفسير السعدي:
أي: من آمن باللّه وعمل صالحا، فإن اللّه وعده أن يدخله الجنة في جملة عباده الصالحين، من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، كل على حسب درجته ومرتبته عند اللّه، فالإيمان الصحيح والعمل الصالح عنوان على سعادة صاحبه، وأنه من أهل الرحمن، والصالحين من عباد اللّه تعالى.

وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِن جَاءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ ۚ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ(10)

التفسير المختصر:
ومن الناس من يقول: آمنّا بالله، فإذا آذاه الكفار على إيمانه جعل عذابهم له كعذاب الله فارتدّ عن الإيمان موافقة للكفار، ولئن حصل نصر من ربك لك - أيها الرسول - ليقولنّ: إنا كنا معكم - أيها المؤمنون - على الإيمان، أوليس الله بأعلم بما في صدور الناس؟! لا يخفى عليه ما فيها من الكفر والإيمان، فكيف ينبئون الله بما في قلوبهم وهو أعلم بما فيها منهم؟!
تفسير الجلالين:
 «ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس» أي أذاهم له «كعذاب الله» في الخوف منه فيطيعهم فينافق «ولئن» لام قسم «جاء نصرٌ» للمؤمنين «من ربك» فغنموا «ليقولنَّ» حذفت منه نون الرفع لتوالي النونات والواو ضمير الجمع لالتقاء الساكنين «إنا كنا معكم» في الإيمان فأشركونا في الغنيمة قال تعالى: «أوَ ليس الله بأعلم» أي بعالم «بما في صدور العالمين» بقلوبهم من الإيمان والنفاق؟ بلى.
تفسير السعدي:
لما ذكر تعالى أنه لا بد أن يمتحن من ادَّعى الإيمان، ليظهر الصادق من الكاذب، بيَّن تعالى أن من الناس فريقا لا صبر لهم على المحن، ولا ثبات لهم على بعض الزلازل فقال: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ بضرب، أو أخذ مال، أو تعيير، ليرتد عن دينه، وليراجع الباطل، جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ أي: يجعلها صادَّة له عن الإيمان والثبات عليه، كما أن العذاب صادٌّ عما هو سببه.
وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ لأنه موافق للهوى، فهذا الصنف من الناس من الذين قال اللّه فيهم: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ حيث أخبركم بهذا الفريق، الذي حاله كما وصف لكم، فتعرفون بذلك كمال علمه وسعة حكمته.

وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ(11)

التفسير المختصر:
وليعلمنّ الله الذين آمنوا به حقًّا، وليعلمنّ المنافقين الذين يظهرون الإيمان، ويضمرون الكفر.
تفسير الجلالين:
 «وليعلمنَّ الله الذين آمنوا» بقلوبهم «وليعلمنَّ المنافقين» فيجازي الفريقين واللام في الفعلين لام قسم.
تفسير السعدي:
وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ أي: فلذلك قَدَّرَ مِحَنًا وابتلاء، ليظهر علمه فيهم، فيجازيهم بما ظهر منهم، لا بما يعلمه بمجرده، لأنهم قد يحتجون على اللّه، أنهم لو ابتُلُوا لَثَبَتُوا.

وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُم بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُم مِّن شَيْءٍ ۖ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ(12)

التفسير المختصر:
وقال الذين كفروا للذين آمنوا بالله وحده: اتبعوا ديننا وما نحن عليه، ونحمل نحن عنكم ذنوبكم، فنجازى عليها دونكم، وليسوا بحاملين شيئًا من ذنوبهم، وإنهم لكاذبون في قولهم هذا.
تفسير الجلالين:
 «وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا» ديننا «ولنحمل خطاياكم» في اتباعنا إن كانت والأمر بمعنى الخبر، قال تعالى: «وما هم بحاملين من خطاياهم من شيءٍ إنهم لكاذبون» في ذلك.
تفسير السعدي:
يخبر تعالى عن افتراء الكفار ودعوتهم للمؤمنين إلى دينهم، وفي ضمن ذلك، تحذير المؤمنين من الاغترار بهم والوقوع في مكرهم، فقال: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا فاتركوا دينكم أو بعضه واتبعونا في ديننا، فإننا نضمن لكم الأمر وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وهذا الأمر ليس بأيديهم، فلهذا قال: وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ لا قليل ولا كثير.
فهذا التحمل، ولو رضي به صاحبه، فإنه لا يفيد شيئا، فإن الحق للّه، واللّه تعالى لم يمكن العبد من التصرف في حقه إلا بأمره وحكمه، وحكمه أن لَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ولما كان قوله: وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ قد يتوهم منه أيضا، أن الكفار الداعين إلى كفرهم -ونحوهم ممن دعا إلى باطله- ليس عليهم إلا ذنبهم الذي ارتكبوه، دون الذنب الذي فعله غيرهم، ولو كانوا متسببين فيه، قال: [مخبرا عن هذا الوهم]

وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ ۖ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ(13)

التفسير المختصر:
وليحملنّ هؤلاء المشركون الداعون إلى باطلهم ذنوبهم التي اقترفوها، وليحملنّ ذنوب من اتبع دعوتهم دون أن ينقص من ذنوب التابعين لهم شيء، وليسألنّ يوم القيامة عما كانوا يختلقونه في الدنيا من الأباطيل.
تفسير الجلالين:
 (وليحملن أثقالهم) أوزارهم (وأثقالاً مع أثقالهم) بقولهم للمؤمنين "اتبعوا سبيلنا" وإضلالهم مقلديهم (وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون) يكذبون على الله سؤال توبيخ واللام في الفعلين لام قسم، وحذف فاعلهما الواو ونون الرفع.
تفسير السعدي:
وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ أي: أثقال ذنوبهم التي عملوها وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وهي الذنوب التي بسببهم ومن جرائهم، فالذنب الذي فعله التابع [لكل من التابع]، والمتبوع حصته منه، هذا لأنه فعله وباشره، والمتبوع [لأنه] تسبب في فعله ودعا إليه، كما أن الحسنة إذا فعلها التابع له أجرها بالمباشرة، وللداعي أجره بالتسبب.
وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ من الشر وتزيينه، [وقولهم] وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ(14)

التفسير المختصر:
ولقد بعثنا نوحًا رسولًا إلى قومه، فمكث فيهم مدة تسع مئة وخمسين عامًا يدعوهم إلى توحيد الله، فكذبوه واستمرّوا على كفرهم، فأخذهم الطوفان وهم ظالمون بسبب كفرهم بالله وتكذيبهم لرسله، فهلكوا بالغرق.
تفسير الجلالين:
 «ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه» وعمره أربعون سنة أو أكثر «فلبس فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً» يدعوهم إلى توحيد الله فكذبوه «فأخذهم الطوفان» أي الماء الكثير طاف بهم وعلاهم فغرقوا «وهم ظالمون» مشركون.
تفسير السعدي:
يخبر تعالى عن حكمه وحكمته في عقوبة الأمم المكذبة، وأن اللّه أرسل عبده ورسوله نوحا عليه الصلاة السلام إلى قومه، يدعوهم إلى التوحيد وإفراد اللّه بالعبادة، والنهي عن الأنداد والأصنام، فَلَبِثَ فِيهِمْ نبيا داعيا أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا وهو لا يَنِي بدعوتهم، ولا يفتر في نصحهم، يدعوهم ليلا ونهارا وسرا وجهارا، فلم يرشدوا ولم يهتدوا، بل استمروا على كفرهم وطغيانهم، حتى دعا عليهم نبيهم نوح عليه الصلاة والسلام، مع شدة صبره وحلمه واحتماله، فقال: رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ أي: الماء الذي نزل من السماء بكثرة، ونبع من الأرض بشدة وَهُمْ ظَالِمُونَ مستحقون للعذاب.

فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ(15)

التفسير المختصر:
فأنقذنا نوحًا ومن معه من المؤمنين في السفينة من الهلاك بالغرق، وجعلنا السفينة عبرة للناس يعتبرون بها.
تفسير الجلالين:
 «فأنجيناه» أي نوحا «وأصحاب السفينة» الذين كانوا معه فيها «وجعلناها آية» عبرة «للعالمين» لمن بعدهم من الناس إن عصوا رسلهم وعاش نوح بعد الطوفان ستين سنة أو أكثر حتى كثر الناس.
تفسير السعدي:
فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ الذين ركبوا معه، أهله ومن آمن به.
وَجَعَلْنَاهَا أي: السفينة، أو قصة نوح آيَةً لِلْعَالَمِينَ يعتبرون بها، على أن من كذب الرسل، آخر أمره الهلاك، وأن المؤمنين سيجعل اللّه لهم من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا.
وجعل اللّه أيضا السفينة، أي: جنسها آية للعالمين، يعتبرون بها رحمة ربهم، الذي قيض لهم أسبابها، ويسر لهم أمرها، وجعلها تحملهم وتحمل متاعهم من محل إلى محل ومن قُطرٍ إلى قُطرٍ.

وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ۖ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ(16)

التفسير المختصر:
واذكر - أيها الرسول - قصة إبراهيم حين قال لقومه: اعبدوا الله وحده، واتقوا عقابه بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، ذلكم المأمور به خير لكم إن كنتم تعلمون.
تفسير الجلالين:
 «و» اذكر «إبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه» خافوا عقابه «ذلكم خير لكم» مما أنتم عليه من عبادة الأصنام «إن كنتم تعلمون» الخير من غيره.
تفسير السعدي:
يذكر تعالى أنه أرسل خليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام إلى قومه، يدعوهم إلى الله، فقال [لهم]: اعْبُدُوا اللَّهَ أي: وحِّدوه، وأخلصوا له العبادة، وامتثلوا ما أمركم به، وَاتَّقُوهُ أن يغضب عليكم، فيعذبكم، وذلك بترك ما يغضبه من المعاصي، ذَلِكُمْ أي: عبادة الله وتقواه خَيْرٌ لَكُمْ من ترك ذلك، وهذا من باب إطلاق أفعل التفضيل بما ليس في الطرف الآخر منه شيء، فإن ترك عبادة الله، وترك تقواه، لا خير فيه بوجه، وإنما كانت عبادة الله وتقواه خيرا للناس، لأنه لا سبيل إلى نيل كرامته في الدنيا والآخرة إلا بذلك، وكل خير يوجد في الدنيا والآخرة، فإنه من آثار عبادة الله وتقواه.
إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ذلك، فاعلموا الأمور وانظروا ما هو أولى بالإيثار.

إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا ۚ إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ ۖ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ(17)

التفسير المختصر:
إنما تعبدون - أيها المشركون- أصنامًا لا تنفع ولا تضرّ، وتختلقون الكذب حين تزعمون استحقاقها للعبادة، إن الذين تعبدونهم من دون الله لا يملكون لكم رزقًا فيرزقوكم، فاطلبوا عند الله الرزق فهو الرزاق، واعبدوه وحده، واشكروا له ما أنعم به عليكم من الرزق، إليه وحده ترجعون يوم القيامة للحساب والجزاء لا إلى أصنامكم.
تفسير الجلالين:
 «إنما تعبدون من دون الله» أي غيره «أوثاناً وتخلقون إفكا» تقولون كذباً إن الأوثان شركاء الله «إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا» لا يقدرون أن يرزقوكم «فابتغوا عند الله الرزق» اطلبوه منه «واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون».
تفسير السعدي:
فلما أمرهم بعبادة الله وتقواه، نهاهم عن عبادة الأصنام، وبيَّن لهم نقصها وعدم استحقاقها للعبودية، فقال: إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا تنحتونها وتخلقونها بأيديكم، وتخلقون لها أسماء الآلهة، وتختلقون الكذب بالأمر بعبادتها والتمسك بذلك، إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ في نقصه، وأنه ليس فيه ما يدعو إلى عبادته، لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فكأنه قيل: قد بان لنا أن هذه الأوثان مخلوقة ناقصة، لا تملك نفعا ولا ضرا، ولا موتا ولا حياة ولا نشورا، وأن من هذا وصفه، لا يستحق أدنى أدنى أدنى مثقال مثقال مثقال ذرة من العبادة والتأله، والقلوب لا بد أن تطلب معبودا تألهه وتسأله حوائجها، فقال -حاثا لهم على من يستحق العبادة- فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ فإنه هو الميسر له، المقدر، المجيب لدعوة من دعاه في أمر دينه ودنياه وَاعْبُدُوهُ وحده لا شريك له، لكونه الكامل النافع الضار، المتفرد بالتدبير، وَاشْكُرُوا لَهُ وحده، لكون جميع ما وصل ويصل إلى الخلق من النعم فمنه، وجميع ما اندفع ويندفع من النقم عنهم فهو الدافع لها.
إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ يجازيكم على ما عملتم، وينبئكم بما أسررتم وأعلنتم، فاحذروا القدوم عليه وأنتم على شرككم، وارغبوا فيما يقربكم إليه، ويثيبكم -عند القدوم- عليه.

وَإِن تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ۖ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ(18)

التفسير المختصر:
وإن تُكَذِّبوا - أيها المشركون - بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، فقد كذبت أمم من قبلكم كقوم نوح وعاد وثمود، وما على الرسول إلا البلاغ الواضح، وقد بلّغكم ما أمره ربه بتبليغه إليكم.
تفسير الجلالين:
 «إنما تعبدون من دون الله» أي غيره «أوثانا وتخلقون إفكا» تقولون كذبا إن الأوثان شركاء الله «إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا» لا يقدرون أن يرزقوكم «فابتغوا عند الله الرزق» اطلبوه منه «واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون».

أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ(19)

التفسير المختصر:
أولم ير هؤلاء المكذبون كيف يخلق الله الخلق ابتداء، ثم يعيده بعد فنائه؟! إن ذلك على الله سهل، فهو قادر لا يعجزه شيء.
تفسير الجلالين:
 «أَو لم يروْا» بالياء والتاء ينظروا «كيف يُبدئ الله الخلق» هو بضم أوله وقرأ بفتحة من بدأ وأبدأ بمعنى أي يخلقهم ابتداءً «ثم» هو «يعيده» أي الخلق كما بدأه «إن ذلك» المذكور من الخلق الأول والثاني «على الله يسير» فكيف ينكرون الثاني.
تفسير السعدي:
أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ يوم القيامة إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ كما قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ

قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ۚ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(20)

التفسير المختصر:
قل - أيها الرسول - لهؤلاء المكذبين بالبعث: سيروا في الأرض فتأملوا كيف بدأ الله الخلق، ثم الله يحيي الناس بعد موتهم الحياة الثانية للبعث والحساب، إن الله على كل شيء قدير، لا يعجزه شيء، فلا يعجز عن بعث الناس كما لم يعجز عن خلقهم أولًا.
تفسير الجلالين:
 «قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق» لمن كان قبلكم وأماتهم «ثم الله ينشئ النَّشأةَ الآخرة» مداً وقصراً مع سكون الشين «إن الله على كل شيءٍ قدير» ومنه البدء والإعادة.
تفسير السعدي:
قُلْ لهم، إن حصل معهم ريب وشك في الابتداء: سِيرُوا فِي الْأَرْضِ بأبدانكم وقلوبكم فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ فإنكم ستجدون أمما من الآدميين والحيوانات، لا تزال توجد شيئا فشيئا، وتجدون النبات والأشجار، كيف تحدث وقتا بعد وقت، وتجدون السحاب والرياح ونحوها، مستمرة في تجددها، بل الخلق دائما في بدء وإعادة، فانظر إليهم وقت موتتهم الصغرى -النوم- وقد هجم عليهم الليل بظلامه، فسكنت منهم الحركات، وانقطعت منهم الأصوات، وصاروا في فرشهم ومأواهم كالميتين، ثم إنهم لم يزالوا على ذلك طول ليلهم، حتى انفلق الإصباح، فانتبهوا من رقدتهم، وبعثوا من موتتهم، قائلين: " الحمد للّه الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور "ولهذا قال: ثُمَّ اللَّهُ بعد الإعادة يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ وهي النشأة التي لا تقبل موتا ولا نوما، وإنما هو الخلود والدوام في إحدى الدارين.
إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فقدرته تعالى لا يعجزها شيء وكما قدر بها على ابتداء الخلق، فقدرته على الإعادة من باب أولى وأحرى.

يُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَن يَشَاءُ ۖ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ(21)

التفسير المختصر:
يعذب من يشاء من خلقه بعدله، ويرحم من يشاء من خلقه بفضله، وإليه وحده ترجعون يوم القيامة للحساب حين يبعثكم من قبوركم أحياء.
تفسير الجلالين:
 «يعذِّب من يشاء» تعذيبه «ويرحم من يشاء» رحمته «وإليه تقبلون» تردون.
تفسير السعدي:
يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ أي: هو المنفرد بالحكم الجزائي، وهو إثابة الطائعين ورحمتهم، وتعذيب العاصين والتنكيل بهم.
وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ أي: ترجعون إلى الدار، التي بها تجري عليكم أحكام عذابه ورحمته، فاكتسبوا في هذه الدار، ما هو من أسباب رحمته من الطاعات، وابتعدوا من أسباب عذابه، وهي المعاصي.

وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ ۖ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ(22)

التفسير المختصر:
ولستم بفائتين ربكم، ولا منفلتين من عقابه في الأرض ولا في السماء، وليس لكم من دون الله ولي يتولى أمركم، وليس لكم من دون الله نصير يرفع عنكم عذابه.
تفسير الجلالين:
 «وما أنتم بمعجزين» ربكم عن إدراككم «في الأرض ولا في السماء» لو كنتم فيها: أي لا تفوتونه «وما لكم من دون الله» أي غيره «من ولي» يمنعكم منه «ولا نصير» ينصركم من عذابه.
تفسير السعدي:
وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ أي: يا هؤلاء المكذبون، المتجرؤن على المعاصي، لا تحسبوا أنه مغفول عنكم، أو معجزون للّه في الأرض ولا في السماء، فلا تغرنكم قدرتكم وما زينت لكم أنفسكم وخدعتكم، من النجاة من عذاب الله، فلستم بمعجزين الله في جميع أقطار العالم.
وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ يتولاكم، فيحصل لكم مصالح دينكم ودنياكم، وَلَا نَصِيرٍ ينصركم، فيدفع عنكم المكاره.

وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَٰئِكَ يَئِسُوا مِن رَّحْمَتِي وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(23)

التفسير المختصر:
والذين كفروا بآيات الله سبحانه وبلقائه يوم القيامة، أولئك قنطوا من رحمتي، فلن يدخلوا الجنة أبدًا لكفرهم، وأولئك لهم عذاب موجع ينتظرهم في الآخرة.
تفسير الجلالين:
 «والذين كفروا بآيات الله ولقائه» أي القرآن والبعث «أولئك يئسوا من رحمتي» أي جنتي «وأولئك لهم عذاب أليم» مؤلم.
تفسير السعدي:
يخبر تعالى من هم الذين زال عنهم الخير، وحصل لهم الشر، وأنهم الذين كفروا به وبرسله، وبما جاءوهم به، وكذبوا بلقاء اللّه، فليس عندهم إلا الدنيا، فلذلك قدموا على ما أقدموا عليه من الشرك والمعاصي، لأنه ليس في قلوبهم ما يخوفهم من عاقبة ذلك، ولهذا قال تعالى: أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي أي: فلذلك لم يعلموا سببا واحدا يحصلون به الرحمة، وإلا لو طمعوا في رحمته، لعملوا لذلك أعمالا، والإياس من رحمة اللّه من أعظم المحاذير، وهو نوعان: إياس الكفار منها، وتركهم جميع سبب يقربهم منها، وإياس العصاة، بسبب كثرة جناياتهم أوحشتهم، فملكت قلوبهم، فأحدث لها الإياس، وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ أي: مؤلم موجع.
وكأن هذه الآيات معترضات بين كلام إبراهيم عليه السلام لقومه، وردهم عليه، واللّه أعلم بذلك.

فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ(24)

التفسير المختصر:
فما كان جواب قوم إبراهيم له - بعد ما أمرهم به من عبادة الله وحده وترك عبادة غيره من الأوثان - إلا أن قالوا: اقتلوه أو ارموه في النار انتصارًا لآلهتكم، فسلّمه الله من النار، إن في تسليمه من النار بعد رميه فيها لعِبَرًا لقوم يؤمنون؛ لأنهم هم الذين ينتفعون بالعبر.
تفسير الجلالين:
 قال تعالى في قصة إبراهيم عليه السلام: «فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه أو حرّقوه فأنجاه الله من النار» التي قذفوه فيها بأن جعلها برداً وسلاماً «إن في ذلك» أي إنجائه منها «لآيات» هي عدم تأثيرها فيه مع عظمها وإخمادها وإنشاء روض مكانها في زمن يسير «لقوم يؤمنون» يصدقون بتوحيد الله وقدرته لأنهم المنتفعون بها.
تفسير السعدي:
أي: فما كان مجاوبة قوم إبراهيم إبراهيم حين دعاهم إلى ربه قبول دعوته، والاهتداء بنصحه، ورؤية نعمة اللّه عليهم بإرساله إليهم، وإنما كان مجاوبتهم له شر مجاوبة.
قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ أشنع القتلات، وهم أناس مقتدرون، لهم السلطان، فألقوه في النار فَأَنْجَاهُ اللَّهُ منها.
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ فيعلمون صحة ما جاءت به الرسل، وبِرَّهُمْ ونصحهم، وبطلان قول من خالفهم وناقضهم، وأن المعارضين للرسل كأنهم تواصوا وحث بعضهم بعضا على التكذيب.

وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ(25)

التفسير المختصر:
وقال إبراهيم عليه السلام لقومه: إنما اتخذتم أصنامًا آلهة تعبدونها للتعارف والتوادّ على عبادتها في الحياة الدنيا، ثم يوم القيامة ينقطع ذلك التوادّ بينكم، فيتبرأ بعضكم من بعض عند معاينة العذاب، ويلعن بعضكم بعضًا، ومقرّكم الذي تأوون إليه النار، وليس لكم من ناصرين يمنعونكم من عذاب الله، لا من أصنامكم التي كنتم تعبدونها من دون الله، ولا من غيرها.
تفسير الجلالين:
 «وقال» إبراهيم «إنما اتخذتم من دون الله أوثانا» تعبدونها وما مصدرية «مودةُ بينكم» خبر إن، وعلى قراءة النصب مفعول له وما كافة المعنى تواددتم على عبادتها «في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض» يتبرأ القادة من الأتباع «ويلعن بعضكم بعضاً» يلعن الأتباع القادة «ومأواكم» مصيركم جميعاً «النار وما لكم من ناصرين» مانعين منها.
تفسير السعدي:
وَقَالَ لهم إبراهيم في جملة ما قاله من نصحه: إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا أي: غاية ذلك، مودة في الدنيا ستنقطع وتضمحل، ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أي: يتبرأ كل من العابدين والمعبودين من الآخر وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ فكيف تتعلقون بمن يعلم أنه سيتبرأ من عابديه ويلعنهم؟ " و " أن مأوى الجميع، العابدين والمعبودين " النَّار " وليس أحد ينصرهم من عذاب اللّه، ولا يدفع عنهم عقابه.

۞ فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ ۘ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبِّي ۖ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(26)

التفسير المختصر:
فآمن له لوط عليه السلام، وقال إبراهيم عليه السلام: إني مهاجر إلى ربي إلى أرض الشام المباركة، إنه هو العزيز الذي لا يغالب، ولا يذل من هاجر إليه، الحكيم في تقديره وتدبيره.
تفسير الجلالين:
 «فآمن له» صدق إبراهيم «لوط» وهو ابن أخيه هاران «وقال» إبراهيم «إني مهاجر» من قومي «إلى ربي» إلى حيث أمرني ربي وهجر قومه وهاجر من سواد العراق إلى الشام «إنه هو العزيز» في ملكه «الحكيم» في صنعه.
تفسير السعدي:
أي: لم يزل إبراهيم عليه الصلاة والسلام يدعو قومه، وهم مستمرون على عنادهم، إلا أنه آمن له بدعوته لوط، الذي نبأه اللّه، وأرسله إلى قومه كما سيأتي ذكره.
وَقَالَ إبراهيم حين رأى أن دعوة قومه لا تفيدهم شيئا: إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي أي: هاجر أرض السوء، ومهاجر إلى الأرض المباركة، وهي الشام، إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ أي: الذي له القوة، وهو يقدر على هدايتكم، ولكنه حَكِيمٌ ما اقتضت حكمته ذلك، ولما اعتزلهم وفارقهم، وهم بحالهم، لم يذكر اللّه عنهم أنه أهلكهم بعذاب، بل ذكر اعتزاله إياهم، وهجرته من بين أظهرهم.
فأما ما يذكر في الإسرائيليات، أن اللّه تعالى فتح على قومه باب البعوض، فشرب دماءهم، وأكل لحومهم، وأتلفهم عن آخرهم، فهذا يتوقف الجزم به على الدليل الشرعي، ولم يوجد، فلو كان اللّه استأصلهم بالعذاب لذكره كما ذكر إهلاك الأمم المكذبة، ولكن لعل من أسرار ذلك، أن الخليل عليه السلام من أرحم الخلق وأفضلهم [وأحلمهم] وأجلهم، فلم يدع على قومه كما دعا غيره، ولم يكن اللّه ليجري بسببه عذابا عاما.
ومما يدل على ذلك، أنه راجع الملائكة في إهلاك قوم لوط، وجادلهم، ودافع عنهم، وهم ليسوا قومه، واللّه أعلم بالحال.

وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا ۖ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ(27)

التفسير المختصر:
وأعطينا إبراهيم إسحاق وابنه يعقوب، وصيّرنا في أولاده النبوّة، والكتب المنزلة من عند الله، وأعطيناه ثواب صبره على الحق في الدنيا بصلاح الأولاد والثناء الحسن، وإنه في الآخرة ليُجْزَى جزاء الصالحين، لا ينقص ما أعطي في الدنيا ما أعدّ له من الجزاء الكريم في الآخرة.
تفسير الجلالين:
 «ووهبنا له» بعد إسماعيل «إسحاق ويعقوب» بعد إسحاق «وجعلنا في ذريته النبوة» فكل الأنبياء بعد إبراهيم من ذريته «والكتاب» بمعنى الكتب أي التوراة والإنجيل، والزبور والفرقان «وآتيناه أجره في الدنيا» وهو الثناء الحسن في كل أهل الأديان «وإنه في الآخرة لمن الصالحين» الذين لهم الدرجات العلى.
تفسير السعدي:
وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أي: بعد ما هاجر إلى الشام وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فلم يأت بعده نبي إلا من ذريته، ولا نزل كتاب إلا على ذريته، حتى ختموا بالنبي محمد صلى اللّه عليه وسلم وعليهم أجمعين.
وهذا [من] أعظم المناقب والمفاخر، أن تكون مواد الهداية والرحمة والسعادة والفلاح في ذريَّته، وعلى أيديهم اهتدى المهتدون، وآمن المؤمنون، وصلح الصالحون.
وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا من الزوجة الجميلة فائقة الجمال، والرزق الواسع، والأولاد، الذين بهم قرت عينه، ومعرفة اللّه ومحبته، والإنابة إليه.
وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ بل هو ومحمد صلى اللّه عليهما وسلم أفضل الصالحين على الإطلاق، وأعلاهم منزلة، فجمع اللّه له بين سعادة الدنيا والآخرة.

وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ(28)

التفسير المختصر:
واذكر - أيها الرسول - لوطًا حين قال لقومه: إنكم لتأتون الذنب القبيح ما سبقكم إلى الإتيان به أحد من العالمين قبلكم، فأنتم أول من ابتدع هذا الذنب الذي تأباه الفطر السليمة.
تفسير الجلالين:
 «و» اذكر «لوطاً إذ قال لقومه أإنكم» بتحقيق الهمزتين وتسهيل الثانية وإدخال ألف بينهما على الوجهين في الموضعين «لتأتون الفاحشة» أي: أدبار الرجال «ما سبقكم بها من أحد من العالمين» الإنس والجن.
تفسير السعدي:
تقدم أن لوطا عليه السلام آمن لإبراهيم، وصار من المهتدين به، وقد ذكروا أنه ليس من ذرية إبراهيم، وإنما هو ابن أخي إبراهيم.
فقوله تعالى: وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وإن كان عاما، فلا يناقض كون لوط نبيا رسولا وهو ليس من ذريته، لأن الآية جيء بها لسياق المدح والثناء على الخليل، وقد أخبر أن لوطا اهتدى على يديه، ومن اهتدى على يديه أكمل ممن اهتدى من ذريته بالنسبة إلى فضيلة الهادي، واللّه أعلم.

أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ ۖ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ(29)

التفسير المختصر:
أإنكم لتأتون الذكران في أدبارهم لقضاء شهوتكم، وتقطعون الطريق على المسافرين فلا يمرون بكم خشية ما ترتكبونه من الفاحشة، وتأتون في مجالسكم الأفعال المنكرة كالعري وإيذاء من يمرّ بكم بالقول والفعل؟ فما كان جواب قومه له بعد نهيه لهم عن فعل المنكرات إلا أن قالوا له: ائتنا بعذاب الله الذي تهددنا به إن كنت صادقًا فيما تدّعيه.
تفسير الجلالين:
 «أإنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل» طريق المارة بفعلكم الفاحشة بمن يمر بكم فترك الناس الممر بكم «وتأتون في ناديكم» أي متحدَّثِكم «المنكر» فعل الفاحشة بعضكم ببعض «فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين» في استقباح ذلك وأن العذاب نازل بفاعليه.
تفسير السعدي:
فأرسل اللّه لوطا إلى قومه، وكانوا مع شركهم، قد جمعوا بين فعل الفاحشة في الذكور، وتقطيع السبيل، وفشو المنكرات في مجالسهم، فنصحهم لوط عن هذه الأمور، وبيَّن لهم قبائحها في نفسها، وما تئول إليه من العقوبة البليغة، فلم يرعووا ولم يذكروا.
فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ

قَالَ رَبِّ انصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ(30)

التفسير المختصر:
قال لوط عليه السلام داعيًا ربه بعد تعنُّت قومه وطلبهم إنزال العذاب عليهم استخفافًا به: ربِّ انصرني على القوم المفسدين في الأرض بما ينشرونه من الكفر والمعاصي المستقبحة.
تفسير الجلالين:
 «قال رب انصرني» بتحقيق قولي في إنزال العذاب «على القوم المفسدين» العاصين بإتيان الرجال فاستجاب الله دعاءه.
تفسير السعدي:
فأيس منهم نبيهم، وعلم استحقاقهم العذاب، وجزع من شدة تكذيبهم له، فدعا عليهم و قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ فاستجاب اللّه دعاءه.

وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَىٰ قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ ۖ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ(31)

التفسير المختصر:
ولما جاءت الملائكة الذين بعثناهم يبشرون إبراهيم بإسحاق ومن بعده ابنه يعقوب قالوا له: إنا مهلكو أهل قرية سَدُوم قرية قوم لوط؛ إن أهلها كانوا ظالمين بما يقومون به من فعل الفاحشة.
تفسير الجلالين:
 «ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى» بإسحاق ويعقوب بعده «قالوا إنا مهلكوا أهل هذه القرية» أي قرية لوط «إن أهلها كانوا ظالمين» كافرين.
تفسير السعدي:
فأرسل الله الملائكة لإهلاكهم، فمروا بإبراهيم قبل، وبشروه بإسحاق، ومن وراء إسحاق يعقوب، ثم سألهم إبراهيم أين يريدون؟ فأخبروه أنهم يريدون إهلاك قوم لوط،.

قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا ۚ قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا ۖ لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ(32)

التفسير المختصر:
قال إبراهيم عليه السلام للملائكة: إن في هذه القرية التي تريدون إهلاك أهلها لوطًا، وليس هو من الظالمين، قالت الملائكة: نحن أعلم بمن فيها، لننقذنّه وأهله من الهلاك المنزل على أهل القرية إلا امرأته كانت من الباقين الهالكين، فسنهلكها معهم.
تفسير الجلالين:
 «قال» إبراهيم «إن فيها لوطا قالوا» أي الرسل «نحن أعلم بمن فيها لنُنجينَّه» بالتخفيف والتشديد «وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين» الباقين في العذاب.
تفسير السعدي:
فجعل يراجعهم ويقول: إِنَّ فِيهَا لُوطًا فقالوا له: لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ

وَلَمَّا أَن جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ ۖ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ(33)

التفسير المختصر:
ولما أتت الملائكة الذين بعثناهم لإهلاك قوم لوط لوطًا ساءه وأحزنه مجيئهم خوفًا عليهم من خبث قومه، فقد جاءته الملائكة في شكل رجال، وقومه يأتون الرجال شهوة من دون النساء، وقال له الملائكة: لا تخف، فلن يصل إليك قومك بسوء، ولا تحزن على ما أخبرناك من إهلاكهم، إنا منقذوك وأهلك من الهلاك، إلا امرأتك كانت من الباقين الهالكين، فسنهلكها معهم.
تفسير الجلالين:
 «ولما أن جاءت رسلنا لوطا سيء بهم» حزن بسببهم «وضاق بهم ذرعا» صدرا لأنهم حسان الوجوه في صورة أضياف فخاف عليهم قومه فأعلموه أنهم رسل ربه «وقالوا لا تخف ولا تحزن إنا منجُّوك» بالتشديد والتخفيف «وأهلك إلا امرأتك كانت من الغابرين» ونصب أهلك عطف على محل الكاف.
تفسير السعدي:
ثم مضوا حتى أتوا لوطا، فساءه مجيئهم، وضاق بهم ذرعا، بحيث إنه لم يعرفهم، وظن أنهم من جملة أبناء السبيل الضيوف، فخاف عليهم من قومه، فقالوا له: لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ وأخبروه أنهم رسل اللّه.
إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ

إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَىٰ أَهْلِ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِّنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ(34)

التفسير المختصر:
إنا منزلون على أهل هذه القرية التي كانت تعمل الخبائث عذابًا من السماء، وهو حجارة من سجِّيل؛ عقابًا لهم على خروجهم عن طاعة الله بما يرتكبون من الفاحشة القبيحة، وهي إتيان الرجال شهوة دون النساء.
تفسير الجلالين:
 «إنا منزلون» بالتخفيف والتشديد «على أهل هذه القرية رجزا» عذابا «من السماء بما» بالفعل الذي «كانوا يفسقون» به أي بسبب فسقهم.
تفسير السعدي:
إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا أي: عذابا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ فأمروه أن يسري بأهله ليلا، فلما أصبحوا، قلب اللّه عليهم ديارهم، فجعل عاليها سافلها، وأمطر عليهم حجارة من سجيل متتابعة حتى أبادتهم وأهلكتهم، فصاروا سَمَرًا من الأسمار، وعبرة من العِبر.

وَلَقَد تَّرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ(35)

التفسير المختصر:
ولقد تركنا من هذه القرية التي أهلكناها آية واضحة لقوم يعقلون؛ لأنهم هم الذين يعتبرون بالآيات.
تفسير الجلالين:
 «ولقد تركنا منها آية بينة» ظاهرة هي آثار خرابها «لقوم يعقلون» يتدبرون.
تفسير السعدي:
وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ أي: تركنا من ديار قوم لوط، آثارا بينة لقوم يعقلون العِبر بقلوبهم، [فينتفعون بها]، كما قال تعالى: وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ

وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ(36)

التفسير المختصر:
وأرسلنا إلى مَدْين أخاهم في النسب شعيبًا عليه السلام، فقال: يا قوم، اعبدوا الله وحده، وارجوا بعبادتكم إياه الجزاء في اليوم الآخر، ولا تفسدوا في الأرض بفعل المعاصي ونشرها.
تفسير الجلالين:
 «و» أَرسلنا «إلى مدْين أخاهم شعيبا فقال يا قوم اعبدوا الله وارجوا اليوم الآخر» اخشوه، هو يوم القيامة «ولا تعثوْا في الأرض مفسدين» حال مؤكدة لعاملها من عثي بكسر المثلثة أفسد.
تفسير السعدي:
أي و أرسلنا إِلَى مَدْيَنَ القبيلة المعروفة المشهورة شُعَيْبًا فأمرهم بعبادة اللّه وحده لا شريك له، والإيمان بالبعث ورجائه، والعمل له، ونهاهم عن الإفساد في الأرض، ببخس المكاييل والموازين، والسعي بقطع الطرق.

فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ(37)

التفسير المختصر:
فكذبه قومه، فأصابتهم الزلزلة، فأصبحوا في دارهم ساقطين على وجوههم قد لصقت وجوههم بالتراب، لا حَرَاكَ بهم.
تفسير الجلالين:
 «فكذبوه فأخذتهم الرجفة» الزلزلة الشديدة «فأصبحوا في دارهم جاثمين» باركين على الركب ميّتين.
تفسير السعدي:
فكذبوه فأخذهم عذاب اللّه فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ

وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ ۖ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ(38)

التفسير المختصر:
وأهلكنا كذلك عادًا قوم هود، وثمود قوم صالح، وقد تبين لكم - يا أهل مكة - من مساكنهم بالشِّحْر من حضرموت، والحِجْر و ما يدلّكم على إهلاكهم، فمساكنهم الخاوية شاهدة على ذلك، وحسّن لهم الشيطان أعمالهم التي كانوا عليها من الكفر وغيره من المعاصي، فصرفهم عن الطريق المستقيم، وكانوا ذوي إبصار بالحق والضلال والرشد والغي بما علَّمَتهم رسلهم، لكن اختاروا اتباع الهوى على اتباع الهدى.
تفسير الجلالين:
 «و» أهلكنا «عادا وثمودا» بالصرف وتركه بمعنى الحي والقبيلة «وقد تبيّن لكم» إهلاكهم «من مساكنهم» بالحجر واليمن «وزيَّن لهم الشيطان أعمالهم» من الكفر والمعاصي «فصدهم عن السبيل» سبيل الحق «وكانوا مستبصرين» ذوي بصائر.
تفسير السعدي:
أي: وكذلك ما فعلنا بعاد وثمود، وقد علمتم قصصهم، وتبين لكم بشيء تشاهدونه بأبصاركم من مساكنهم وآثارهم التي بانوا عنها، وقد جاءتهم رسلهم بالآيات البينات، المفيدة للبصيرة، فكذبوهم وجادلوهم.
وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ حتى ظنوا أنها أفضل مما جاءتهم به الرسل.

وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ ۖ وَلَقَدْ جَاءَهُم مُّوسَىٰ بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ(39)

التفسير المختصر:
وأهلكنا قارون - لما بغى على قوم موسى - بالخسف به وبداره، وأهلكنا فرعون ووزيره هامان بالغرق في البحر، ولقد جاءهم موسى بالآيات الواضحات الدالة على صدقه، فاستكبروا في أرض مصر عن الإيمان به، وما كانوا ليسلموا من عذابنا بفوتهم لنا.
تفسير الجلالين:
 «و» أهلكنا «قارون وفرعون وهامان ولقد جاءهم» من قبل «موسى بالبيّنات» الحجج الظاهرات «فاستكبروا في الأرض وما كانوا سابقين» فائتين عذابنا.
تفسير السعدي:
وكذلك قارون، وفرعون، وهامان، حين بعث اللّه إليهم موسى بن عمران، بالآيات البينات، والبراهين الساطعات، فلم ينقادوا، واستكبروا في الأرض، [على عباد اللّه فأذلوهم، وعلى الحق فردوه فلم يقدروا على النجاء حين نزلت بهم العقوبة] وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ اللّه، ولا فائتين، بل سلموا واستسلموا.

فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ(40)

التفسير المختصر:
فأخذنا كلًّا من المذكورين سابقًا بعذابنا المُهْلِك، فمنهم قوم لوط الذين أرسلنا عليهم حجارة من سِجِّيل مَنْضود، ومنهم قوم صالح وقوم شعيب الذين أخذتهم الصيحة، ومنهم قارون الذي خسفنا به وبداره الأرض، ومنهم قوم نوح وفرعون وهامان الذين أهلكناهم بالغرق، وما كان الله ليظلمهم بإهلاكهم بغير ذنب، ولكن كانوا يظلمون أنفسهم بارتكاب المعاصي، فاستحقوا العذاب.
تفسير الجلالين:
 «فكلا» من المذكورين «أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا» ريحاً عاصفة فيها حصباء كقوم لوط «ومنهم من أخذته الصيحة» كثمود «ومنهم من خسفنا به الأرض» كقارون «ومنهم من أغرقنا» كقوم نوح وفرعون وقومه «وما كان الله ليظلمهم» فيعذبهم بغير ذنب «ولكن كانوا أنفسهم يظلمون» بارتكاب الذنب.
تفسير السعدي:
فَكُلا من هؤلاء الأمم المكذبة أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ على قدره، وبعقوبة مناسبة له، فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا أي: عذابا يحصبهم، كقوم عاد، حين أرسل اللّه عليهم الريح العقيم، و سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ كقوم صالح، وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ كقارون، وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا كفرعون وهامان وجنودهما.
وَمَا كَانَ اللَّهُ أي: ما ينبغي ولا يليق به تعالى أن يظلمهم لكمال عدله، وغناه التام عن جميع الخلق.
وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ منعوها حقها التي هي بصدده، فإنها مخلوقة لعبادة اللّه وحده، فهؤلاء وضعوها في غير موضعها، وأشغلوها بالشهوات والمعاصي، فضروها غاية الضرر، من حيث ظنوا أنهم ينفعونها.

مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا ۖ وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ ۖ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ(41)

التفسير المختصر:
مثل المشركين الذين اتخذوا من دون الله أصنامًا يعبدونهم رجاء نفعهم أو شفاعتهم كمثل العنكبوت اتخذت بيتًا يحميها من الاعتداء عليها، وإن أضعف البيوت لبيت العنكبوت، فهو لا يدفع عنها عدوًّا، وكذلك أصنامهم لا تنفع ولا تضر ولا تشفع، لو كان المشركون يعلمون ذلك لَمَا اتخذوا أصنامًا يعبدونها من دون الله.
تفسير الجلالين:
 «مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء» أي أصناماً يرجون نفعها «كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً» لنفسها تأوي إليه «وإن أوهن» أضعف «البيوت لبيت العنكبوت» لا يدفع عنها حراً ولا برداً كذلك الأصنام لا تنفع عابديها «لو كانوا يعلمون» ذلك ما عبدوها.
تفسير السعدي:
هذا مثل ضربه اللّه لمن عبد معه غيره، يقصد به التعزز والتَّقَوِّي والنفع، وأن الأمر بخلاف مقصوده، فإن مثله كمثل العنكبوت، اتخذت بيتا يقيها من الحر والبرد والآفات، وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ أضعفها وأوهاها لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ فالعنكبوت من الحيوانات الضعيفة، وبيتها من أضعف البيوت، فما ازدادت باتخاذه إلا ضعفا، كذلك هؤلاء الذين يتخذون من دونه أولياء، فقراء عاجزون من جميع الوجوه، وحين اتخذوا الأولياء من دونه يتعززون بهم ويستنصرونهم، ازدادوا ضعفا إلى ضعفهم، ووهنا إلى وهنهم.
فإنهم اتكلوا عليهم في كثير من مصالحهم، وألقوها عليهم، وتخلوا هم عنها، على أن أولئك سيقومون بها، فخذلوهم، فلم يحصلوا منهم على طائل، ولا أنالوهم من معونتهم أقل نائل.
فلو كانوا يعلمون حقيقة العلم، حالهم وحال من اتخذوهم، لم يتخذوهم، ولتبرأوا منهم، ولتولوا الرب القادر الرحيم، الذي إذا تولاه عبده وتوكل عليه، كفاه مئونة دينه ودنياه، وازداد قوة إلى قوته، في قلبه وفي بدنه وحاله وأعماله.
ولما بين نهاية ضعف آلهة المشركين، ارتقى من هذا إلى ما هو أبلغ منه، وأنها ليست بشيء، بل هي مجرد أسماء سموها، وظنون اعتقدوها، وعند التحقيق، يتبين للعاقل بطلانها وعدمها.

إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(42)

التفسير المختصر:
إن الله سبحانه وتعالى يعلم ما يعبدونه من دونه، لا يخفى عليه شيء من ذلك، وهو العزيز الذي لا يُغَالَب، الحكيم في خلقه وتقديره وتدبيره.
تفسير الجلالين:
 «إن الله يعلم ما» بمعنى الذي «يدعون» يعبدون بالياء والتاء «من دونه» غيره «من شيء وهو العزيز» في ملكه «الحكيم» في صنعه.
تفسير السعدي:
إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ أي: إنه تعالى يعلم -وهو عالم الغيب والشهادة- أنهم ما يدعون من دون اللّه شيئا موجودا، ولا إلها له حقيقة، كقوله تعالى: إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ وقوله: وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وإن هم إلا يخرصون وَهُوَ الْعَزِيزُ الحكيم الذي له القوة جميعا، التي قهر بها جميع المخلوقات، الْحَكِيمُ الذي يضع الأشياء مواضعها، الذي أحسن كل شيء خلقه، وأتقن ما أمره.

وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ ۖ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ(43)

التفسير المختصر:
وهذه الأمثال نضربها للناس لتوقظهم وتبصرهم بالحق، وتهديهم إليه، وما يدركها على الوجه المطلوب إلا العالمون بشرع الله وحِكَمه.
تفسير الجلالين:
 «وتلك الأمثال» في القرآن «نضربها» نجعلها «للناس وما يعقلها» أي يفهمها «إلا العالمون» المتدبرون.
تفسير السعدي:
وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ أي: لأجلهم ولانتفاعهم وتعليمهم، لكونها من الطرق الموضحة للعلوم، ولأنها تقرب الأمور المعقولة بالأمور المحسوسة، فيتضح المعنى المطلوب بسببها، فهي مصلحة لعموم الناس.
و لكن مَا يَعْقِلُهَا بفهمها وتدبرها، وتطبيقها على ما ضربت له، وعقلها في القلب إِلَّا الْعَالِمُونَ أي: أهل العلم الحقيقي، الذين وصل العلم إلى قلوبهم.
وهذا مدح للأمثال التي يضربها، وحثٌّ على تدبرها وتعقلها، ومدح لمن يعقلها، وأنه عنوان على أنه من أهل العلم، فعلم أن من لم يعقلها ليس من العالمين.
والسبب في ذلك، أن الأمثال التي يضربها اللّه في القرآن، إنما هي للأمور الكبار، والمطالب العالية، والمسائل الجليلة، فأهل العلم يعرفون أنها أهم من غيرها، لاعتناء اللّه بها، وحثه عباده على تعقلها وتدبرها، فيبذلون جهدهم في معرفتها.
وأما من لم يعقلها، مع أهميتها، فإن ذلك دليل على أنه ليس من أهل العلم، لأنه إذا لم يعرف المسائل المهمة، فعدم معرفته غيرها من باب أولى وأحرى.
ولهذا، أكثر ما يضرب اللّه الأمثال في أصول الدين ونحوها.

خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ(44)

التفسير المختصر:
خلق الله سبحانه وتعالى السماوات وخلق الأرض بالحق، ولم يخلقها بالباطل ولم يخلقها عبثًا، إن في ذلك الخلق لدلالة واضحة على قدرة الله للمؤمنين؛ لأنهم هم الذين يستدلون بخلق الله على الخالق سبحانه، وأما الكافرون فإنهم يمرون على الآيات في الآفاق والأنفس دون أن تلفت انتباههم إلى عظمة الخالق وقدرته سبحانه.
تفسير الجلالين:
 «خلقَ الله السماوات والأرض بالحق» أي محقا «إن في ذلك لآيةً» دالة على قدرته تعالى «للمؤمنين» خصّوا بالذكر لأنهم المنتفعون بها في الإيمان بخلاف الكافرين.
تفسير السعدي:
أي: هو تعالى المنفرد بخلق السماوات، على علوها وارتفاعها وسعتها وحسنها وما فيها من الشمس والقمر والكواكب والملائكة، والأرض وما فيها من الجبال والبحار والبراري والقفار والأشجار ونحوها، وكل ذلك خلقه بالحق، أي: لم يخلقها عبثا ولا سدى، ولا لغير فائدة، وإنما خلقها، ليقوم أمره وشرعه، ولتتم نعمته على عباده، وليروا من حكمته وقهره وتدبيره، ما يدلهم على أنه وحده معبودهم ومحبوبهم وإلههم.
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ على كثير من المطالب الإيمانية، إذا تدبرها المؤمن رأى ذلك فيها عيانا.

اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ(45)

التفسير المختصر:
اقرأ - أيها الرسول - على الناس ما أوحى به الله إليك من القرآن، وائت بالصلاة على أكمل وجه، إن الصلاة المؤداة بصفتها الكاملة تنهى صاحبها عن الوقوع في المعاصي والمنكرات؛ لما تحدثه من نور في القلوب يمنع من اقتراف المعاصي، ويرشد إلى عمل الصالحات، ولذكر الله أكبر وأعظم من كل شيء، والله يعلم ما تصنعونه، لا يخفى عليه من أعمالكم شيء، وسيجازيكم على أعمالكم، إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر.
تفسير الجلالين:
 «اتل ما أوحي إليك من الكتاب» القرآن «وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر» شرعا أي من شأنها ذلك ما دام المرء فيها «ولذكر الله أكبر» من غيره من الطاعات «والله يعلم ما تصنعون» فيجازيكم به.
تفسير السعدي:
يأمر تعالى بتلاوة وحيه وتنزيله، وهو هذا الكتاب العظيم، ومعنى تلاوته اتباعه، بامتثال ما يأمر به، واجتناب ما ينهى عنه، والاهتداء بهداه، وتصديق أخباره، وتدبر معانيه، وتلاوة ألفاظه، فصار تلاوة لفظه جزء المعنى وبعضه، وإذا كان هذا معنى تلاوة الكتاب، علم أن إقامة الدين كله، داخلة في تلاوة الكتاب.
فيكون قوله: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ من باب عطف الخاص على العام، لفضل الصلاة وشرفها، وآثارها الجميلة، وهي إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ والفحشاء: كل ما استعظم واستفحش من المعاصي التي تشتهيها النفوس.
والمنكر: كل معصية تنكرها العقول والفطر.
ووجه كون الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، أن العبد المقيم لها، المتمم لأركانها وشروطها وخشوعها، يستنير قلبه، ويتطهر فؤاده، ويزداد إيمانه، وتقوى رغبته في الخير، وتقل أو تعدم رغبته في الشر، فبالضرورة، مداومتها والمحافظة عليها على هذا الوجه، تنهى عن الفحشاء والمنكر، فهذا من أعظم مقاصدها وثمراتها.
وثَمَّ في الصلاة مقصود أعظم من هذا وأكبر، وهو ما اشتملت عليه من ذكر اللّه، بالقلب واللسان والبدن.
فإن اللّه تعالى، إنما خلق الخلق لعبادته، وأفضل عبادة تقع منهم الصلاة، وفيها من عبوديات الجوارح كلها، ما ليس في غيرها، ولهذا قال: وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ويحتمل أنه لما أمر بالصلاة ومدحها، أخبر أن ذكره تعالى خارج الصلاة أكبر من الصلاة، كما هو قول جمهور المفسرين، لكن الأول أولى، لأن الصلاة أفضل من الذكر خارجها، ولأنها -كما تقدم- بنفسها من أكبر الذكر.
وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ من خير وشر، فيجازيكم على ذلك أكمل الجزاء وأوفاه.

۞ وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ۖ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَٰهُنَا وَإِلَٰهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ(46)

التفسير المختصر:
ولا تحاوروا - أيها المؤمنون - ولا تخاصموا اليهود والنصارى إلا بالأسلوب الأحسن والطريقة المثلى وهي الدعوة بالموعظة والحجج البينة، إلا الذين ظلموا منهم بالعناد والمكابرة، وأعلنوا الحرب عليكم، فقاتلوهم حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، وقولوا لليهود والنصارى: آمنا بالذي أنزل الله إلينا من القرآن، وآمنا بالذي أنزل إليكم من التوراة والإنجيل، وإلهنا وإلهكم واحد لا شريك له في ألوهيته وربوبيته وكماله، ونحن له وحده منقادون متذللون.
تفسير الجلالين:
 «ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي» أي: المجادلة التي «هي أحسن» كالدعاء إلى الله بآياته والتنبيه على حججه «إلا الذين ظلموا منهم» بأن حاربوا وأبوا أن يقرّوا بالجزية فجادلوهم بالسيف حتى يسلموا أو يعطوا الجزية «وقولوا» لمن قبل الإقرار بالجزية إذا أخبروكم بشيء مما في كتبهم «آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم» ولا تصدقوهم ولا تكذبوهم في ذلك «وإلهنا وإلهكم واحدٌ ونحن مسلمون» مطيعون.
تفسير السعدي:
ينهى تعالى عن مجادلة أهل الكتاب، إذا كانت من غير بصيرة من المجادل، أو بغير قاعدة مرضية، وأن لا يجادلوا إلا بالتي هي أحسن، بحسن خلق ولطف ولين كلام، ودعوة إلى الحق وتحسينه، ورد عن الباطل وتهجينه، بأقرب طريق موصل لذلك، وأن لا يكون القصد منها مجرد المجادلة والمغالبة وحب العلو، بل يكون القصد بيان الحق وهداية الخلق، إلا من ظلم من أهل الكتاب، بأن ظهر من قصده وحاله، أنه لا إرادة له في الحق، وإنما يجادل على وجه المشاغبة والمغالبة، فهذا لا فائدة في جداله، لأن المقصود منها ضائع.
وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ أي: ولتكن مجادلتكم لأهل الكتاب مبنية على الإيمان بما أنزل إليكم وأنزل إليهم، وعلى الإيمان برسولكم ورسولهم، وعلى أن الإله واحد، ولا تكن مناظرتكم إياهم [على وجه] يحصل به القدح في شيء من الكتب الإلهية، أو بأحد من الرسل، كما يفعله الجاهل عند مناظرة الخصوم، يقدح بجميع ما معهم، من حق وباطل، فهذا ظلم، وخروج عن الواجب وآداب النظر، فإن الواجب، أن يرد ما مع الخصم من الباطل، ويقبل ما معه من الحق، ولا يرد الحق لأجل قوله، ولو كان كافرا.
وأيضا، فإن بناء مناظرة أهل الكتاب، على هذا الطريق، فيه إلزام لهم بالإقرار بالقرآن، وبالرسول الذي جاء به، فإنه إذا تكلم في الأصول الدينية التي اتفقت عليها الأنبياء والكتب، وتقررت عند المتناظرين، وثبتت حقائقها عندهما، وكانت الكتب السابقة والمرسلون مع القرآن ومحمد صلى اللّه عليه وسلم قد بينتها ودلت عليها وأخبرت بها، فإنه يلزم التصديق بالكتب كلها، والرسل كلهم، وهذا من خصائص الإسلام.
فأما أن يقال: نؤمن بما دل عليه الكتاب الفلاني، دون الكتاب الفلاني وهو الحق الذي صدق ما قبله، فهذا ظلم وجور، وهو يرجع إلى قوله بالتكذيب، لأنه إذا كذب القرآن الدال عليها، المصدق لما بين يديه من التوراة، فإنه مكذب لما زعم أنه به مؤمن.
وأيضا، فإن كل طريق تثبت به نبوة أي: نبي كان، فإن مثلها وأعظم منها، دالة على نبوة محمد صلى اللّه عليه وسلم، وكل شبهة يقدح بها في نبوة محمد صلى اللّه عليه وسلم، فإن مثلها أو أعظم منها، يمكن توجيهها إلى نبوة غيره، فإذا ثبت بطلانها في غيره، فثبوت بطلانها في حقه صلى اللّه عليه وسلم أظهر وأظهر.
وقوله: وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ أي: منقادون مستسلمون لأمره.
ومن آمن به، واتخذه إلها، وآمن بجميع كتبه ورسله، وانقاد للّه واتبع رسله، فهو السعيد، ومن انحرف عن هذا الطريق، فهو الشقي.

وَكَذَٰلِكَ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ ۚ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ۖ وَمِنْ هَٰؤُلَاءِ مَن يُؤْمِنُ بِهِ ۚ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ(47)

التفسير المختصر:
وكما أنزلنا الكتب على من قبلك أنزلنا عليك القرآن، فبعض هؤلاء الذين يقرؤون التوراة - مثل عبد الله بن سلام- يؤمنون به؛ لما يجدونه من نَعْتِه في كتبهم، ومن هؤلاء المشركين من يؤمن به، وما يكفر بآياتنا إلا الكافرون الذين دأبهم الكفر والجحود للحق مع ظهوره.
تفسير الجلالين:
 «وكذلك أنزلنا إليك الكتاب» القرآن كما أنزلنا إليهم التوراة وغيرها «فالذين آتيناهم الكتاب» التوراة كعبد الله بن سلام وغيره «يؤمنون به» بالقرآن «ومن هؤلاء» أهل مكة «من يؤمن به وما يجحد بآياتنا» بعد ظهورها «إلا الكافرون» أي اليهود وظهر لهم أن القرآن حق والجائي به محق وجحدوا ذلك.
تفسير السعدي:
أي: وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ يا محمد، هذا الْكِتَاب الكريم، المبين كل نبأ عظيم، الداعي إلى كل خلق فاضل، وأمر كامل، المصدق للكتب السابقة، المخبر به الأنبياء الأقدمون.
فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ فعرفوه حق معرفته، ولم يداخلهم حسد وهوى.
يُؤْمِنُونَ بِهِ لأنهم تيقنوا صدقه، بما لديهم من الموافقات، وبما عندهم من البشارات، وبما تميزوا به من معرفة الحسن والقبيح، والصدق والكذب.
وَمِنْ هَؤُلَاءِ الموجودين مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ إيمانا عن بصيرة، لا عن رغبته ولا رهبته.
وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ الذين دأبهم الجحود للحق والعناد له.
وهذا حصر لمن كفر به، أنه لا يكون من أحد قصده متابعة الحق، وإلا، فكل من له قصد صحيح، فإنه لا بد أن يؤمن به، لما اشتمل عليه من البينات، لكل من له عقل، أو ألقى السمع وهو شهيد.

وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ ۖ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ(48)

التفسير المختصر:
وما كنت - أيها الرسول - تقرأ قبل القرآن أي كتاب، وما كنت تكتب شيئًا بيمينك؛ لأنك أُمِّي لا تقرأ ولا تكتب، ولو كنت تقرأ وتكتب لشكّ الجهلة من الناس في نبوتك، وتذرّعوا بأنك كنت تكتب عن الكتب السابقة.
تفسير الجلالين:
 «وما كنت تتلوا من قبله» أي القرآن «من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا» أي لو كنت قارئا كتابا «لارتاب» شك «المبطلون» اليهود فيك وقالوا الذي في التوراة أنه أمي لا يقرأ ولا يكتب.
تفسير السعدي:
ومما يدل على صحته، أنه جاء به هذا النبي الأمين، الذي عرف قومه صدقه وأمانته ومدخله ومخرجه وسائر أحواله، وهو لا يكتب بيده خطا، ولا يقرأ خطا مكتوبا، فإتيانه به في هذه الحال، من أظهر البينات القاطعة، التي لا تقبل الارتياب، أنه من عند اللّه العزيز الحميد، ولهذا قال: وَمَا كُنْتَ تَتْلُو أي: تقرأ مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لو كنت بهذه الحال لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ فقالوا: تعلمه من الكتب السابقة، أو استنسخه منها، فأما وقد نزل على قلبك، كتابا جليلا، تحديت به الفصحاء والبلغاء، الأعداء الألداء، أن يأتوا بمثله، أو بسورة من مثله، فعجزوا غاية العجز، بل ولا حدثتهم أنفسهم بالمعارضة، لعلمهم ببلاغته وفصاحته، وأن كلام أحد من البشر، لا يبلغ أن يكون مجاريا له أو على منواله، ولهذا قال:

بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ۚ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ(49)

التفسير المختصر:
بل القرآن المنزل عليك آيات واضحات في صدور الذين أعطوا العلم من المؤمنين، وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون لأنفسهم بالكفر بالله والشرك به.
تفسير الجلالين:
 «بل هو» أي القرآن الذي جئت به «آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم» أي المؤمنون يحفظونه «وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون» أي: اليهود وجحدوها بعد ظهورها لهم.
تفسير السعدي:
أي: بَلْ هذا القرآن آيَات بَيِّنَات لا خفيات، فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وهم سادة الخلق، وعقلاؤهم، وأولو الألباب منهم، والكمل منهم.
فإذا كان آيات بينات في صدور أمثال هؤلاء، كانوا حجة على غيرهم، وإنكار غيرهم لا يضر، ولا يكون ذلك إلا ظلما، ولهذا قال: وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ لأنه لا يجحدها إلا جاهل تكلم بغير علم، ولم يقتد بأهل العلم، وهو متمكن من معرفته على حقيقته، وإما متجاهل عرف أنه حق فعانده، وعرف صدقه فخالفه.

وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ ۖ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ(50)

التفسير المختصر:
وقال المشركون: هلَّا أنزل على محمد آيات من ربه مثل ما أنزل على الرسل من قبله، قل - أيها الرسول - لهؤلاء المقترحين: إنما الآيات بيد الله سبحانه، ينزلها متى شاء، وليس إليّ إنزالها، وإنما أنا نذير لكم من عقاب الله، واضح النذارة.
تفسير الجلالين:
 «وقالوا» أي كفار مكة «لولا» هلا «أنزل عليه» أي محمد «آية من ربه» وفي قراءة آيات كناقة صالح وعصا موسى ومائدة عيسى «قل» لهم «إنما الآيات عند الله» ينزلها كيف يشاء «وإنما أنا نذير مبين» مظهر إنذاري بالنار أهل المعصية.
تفسير السعدي:
أي: واعترض هؤلاء الظالمون المكذبون للرسول ولما جاء به، واقترحوا عليه نزول آيات عينوها، كقولهم: وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا الآيات.
فتعيين الآيات ليس عندهم، ولا عند الرسول صلى اللّه عليه وسلم، فإن في ذلك تدبيرا مع اللّه، وأنه لو كان كذلك، وينبغي أن يكون كذلك، وليس لأحد من الأمر شيء.
ولهذا قال: قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ إن شاء أنزلها أو منعها وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ وليس لي مرتبة فوق هذه المرتبة.
وإذا كان القصد بيان الحق من الباطل، فإذا حصل المقصود -بأي: طريق- كان اقتراح الآيات المعينات على ذلك ظلما وجورا، وتكبرا على اللّه وعلى الحق.
بل لو قدر أن تنزل تلك الآيات، ويكون في قلوبهم أنهم لا يؤمنون بالحق إلا بها، كان ذلك ليس بإيمان، وإنما ذلك شيء وافق أهواءهم، فآمنوا، لا لأنه حق، بل لتلك الآيات.
فأي فائدة حصلت في إنزالها على التقدير الفرضي؟

أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَىٰ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ(51)

التفسير المختصر:
أولم يكف هؤلاء المقترحين للآيات أنا أنزلنا عليك - أيها الرسول - القرآن يقرأ عليهم، إن في القرآن المنزل عليهم لرحمة وعظة لقوم يؤمنون، فهم الذين ينتفعون بما فيه، فما أنزل عليهم خير مما اقترحوه من نظير ما أنزل على الرسل سابقًا.
تفسير الجلالين:
 «أو لم يكفهم» فيما طلبوا «أنَّا أنزلنا عليك الكتاب» القرآن «يتلى عليهم» فهو آية مستمرة لا انقضاء لها بخلاف ما ذكر من الآيات «إن في ذلك» الكتاب «لرحمةً وذكرى» عظة «لقوم يؤمنون».
تفسير السعدي:
ولما كان المقصود بيان الحق، ذكر تعالى طريقه، فقال: أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ في علمهم بصدقك وصدق ما جئت به أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ وهذا كلام مختصر جامع، فيه من الآيات البينات، والدلالات الباهرات، شيء كثير، فإنه كما تقدم إتيان الرسول به بمجرده وهو أمي، من أكبر الآيات على صدقه.
ثم عجزهم عن معارضته، وتحديه إياهم آية أخرى، ثم ظهوره، وبروزه جهرا علانية، يتلى عليهم، ويقال: هو من عند اللّه، قد أظهره الرسول، وهو في وقت قلَّ فيه أنصاره، وكثر مخالفوه وأعداؤه، فلم يخفه، ولم يثن ذلك عزمه، بل صرح به على رءوس الأشهاد، ونادى به بين الحاضر والباد، بأن هذا كلام ربي، فهل أحد يقدر على معارضته، أو ينطق بمباراته أو يستطيع مجاراته؟.
ثم إخباره عن قصص الأولين، وأنباء السابقين والغيوب المتقدمة والمتأخرة، مع مطابقته للواقع.
ثم هيمنته على الكتب المتقدمة، وتصحيحه للصحيح، ونَفْيُ ما أدخل فيها من التحريف والتبديل، ثم هدايته لسواء السبيل، في أمره ونهيه، فما أمر بشيء فقال العقل "ليته لم يأمر به" ولا نهى عن شيء فقال العقل: "ليته لم ينه عنه" بل هو مطابق للعدل والميزان، والحكمة المعقولة لذوي البصائر والعقول [ثم مسايرة إرشاداته وهدايته وأحكامه لكل حال وكل زمان بحيث لا تصلح الأمور إلا به]فجميع ذلك يكفي من أراد تصديق الحق، وعمل على طلب الحق، فلا كفى اللّه من لم يكفه القرآن، ولا شفى اللّه من لم يشفه الفرقان، ومن اهتدى به واكتفى، فإنه خير له فلذلك قال: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ وذلك لما يحصلون فيه من العلم الكثير، والخير الغزير، وتزكية القلوب والأرواح، وتطهير العقائد، وتكميل الأخلاق، والفتوحات الإلهية، والأسرار الربانية.

قُلْ كَفَىٰ بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا ۖ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۗ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ(52)

التفسير المختصر:
قل - أيها الرسول - كفى بالله سبحانه شاهدًا على صدقي فيما جئت به، وعلى تكذيبكم به، يعلم ما في السماوات ويعلم ما في الأرض، لا يخفى عليه شيء فيهما، والذين آمنوا بالباطل من كل ما يعبد من دون الله، وكفروا بالله المستحق وحده للعبادة، أولئك هم الخاسرون؛ لاستبدالهم الكفر بالإيمان.
تفسير الجلالين:
 «قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدا» بصدقي «يعلم ما في السماوات والأرض» ومنه حالي وحالكم «والذين آمنوا بالباطل» وهو ما يعبد من دون الله «وكفروا بالله» منكم «أولئك هم الخاسرون» في صفقتهم حيث اشتروا الكفر بالإيمان.
تفسير السعدي:
قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا فأنا قد استشهدته، فإن كنت كاذبا، أَحَلَّ بي ما به تعتبرون، وإن كان إنما يؤيدني وينصرني وييسر لي الأمور، فلتكفكم هذه الشهادة الجليلة من اللّه، فإن وقع في قلوبكم أن شهادته -وأنتم لم تسمعوه ولم تروه- لا تكفي دليلا، فإنه يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ومن جملة معلوماته حالي وحالكم، ومقالي لكم فلو كنت متقولا عليه، مع علمه بذلك، وقدرته على عقوبتي، لكان [قدحا في علمه وقدرته وحكمته] كما قال تعالى: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ حيث هم خسروا الإيمان باللّه وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وحيث فاتهم النعيم المقيم، وحيث حصل لهم في مقابلة الحق الصحيح كل باطل قبيح، وفي مقابلة النعيم كل عذاب أليم، فخسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة.

وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ ۚ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُّسَمًّى لَّجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُم بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ(53)

التفسير المختصر:
يستعجلك - أيها الرسول - المشركون بالعذاب الذي أنذرتهم إياه، ولولا أن الله قدّر لعذابهم وقتًا لا يتقدم عنه ولا يتأخر لجاءهم ما طلبوا من العذاب، وليأتينّهم فجأة وهم لا يتوقعونه.
تفسير الجلالين:
 «ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى» له «لجاءَهم العذاب» عاجلاً «ولياتينَّهم بغتةً وهم لا يشعرون» بوقت إتيانه.
تفسير السعدي:
يخبر تعالى عن جهل المكذبين للرسول وما جاء به، وأنهم يقولون -استعجالا للعذاب، وزيادة تكذيب- مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ؟يقول تعالى: وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى مضروب لنزوله، ولم يأت بعد، لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ بسبب تعجيزهم لنا وتكذيبهم الحق، فلو آخذناهم بجهلهم، لكان كلامهم أسرع لبلائهم وعقوبتهم، ولكن -مع ذلك- فلا يستبطئون نزوله، فإنه سيأتيهم بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ فوقع كما أخبر اللّه تعالى، لما قدموا ل "بدر" بطرين مفاخرين، ظانينأنهم قادرون على مقصودهم، فأهانهم اللّه، وقتل كبارهم، واستوعب جملة أشرارهم، ولم يبق فيهم بيت إلا أصابته تلك المصيبة، فأتاهم العذاب من حيث لم يحتسبوا، ونزل بهم وهم لا يشعرون.

يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ(54)

التفسير المختصر:
يستعجلونك بالعذاب الذي وعدتهم إياه، وإن جهنم التي وعدها الله الكافرين لمحيطة بهم، لا يستطيعون الفرار من عذابها.
تفسير الجلالين:
 «يستعجلونك بالعذاب» في الدنيا «وإن جهنم لمحيطه بالكافرين».
تفسير السعدي:
هذا، وإن لم ينزل عليهم العذاب الدنيوي، فإن أمامهم العذاب الأخروي، الذي لا يخلص منهم أحد منه، سواء عوجل بعذاب الدنيا أو أمهل.
وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ ليس لهم عنها معدل ولا متصرف، قد أحاطت بهم من كل جانب، كما أحاطت بهم ذنوبهم وسيئاتهم وكفرهم، وذلك العذاب، هو العذاب الشديد.

يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(55)

التفسير المختصر:
يوم يُغَطِّيهم العذاب من فوقهم، ويكون فراشًا لهم من تحت أرجلهم، ويقول لهم الله توبيخًا لهم: ذوقوا جزاء ما كنتم تعملون من الشرك والمعاصي.
تفسير الجلالين:
 «يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم ونقول» فيه بالنون أي نأمر بالقول، وبالياء يقول أي الموكل بالعذاب «ذوقوا ما كنتم تعلمون» أي جزاءه فلا تفوتوننا.
تفسير السعدي:
يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فإن أعمالكم انقلبت عليكم عذابا، وشملكم العذاب كما شملكم الكفر والذنوب.

يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ(56)

التفسير المختصر:
يا عبادي الذين آمنوا بي، هاجِرُوا من أرض لا تتمكنون فيها من عبادتي، إن أرضي واسعة فاعبدوني وحدي، ولا تشركوا بي أحدًا.
تفسير الجلالين:
 «يا عباديَ الذين آمنوا إنَّ أرضي واسعة فإياي فاعبدون» في أي أرض تيسَّرت فيها العبادة، بأن تهاجروا إليها من أرض لم تتيسر فيها نزل في ضعفاء مسلمي مكة كانوا في ضيق من إظهار الإسلام بها.
تفسير السعدي:
يقول تعالى: يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا بي وصدقوا رسولي إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ فإذا تعذرت عليكم عبادة ربكم في أرض، فارتحلوا منها إلى أرض أخرى، حيث كانت العبادة للّه وحده، فأماكن العبادة ومواضعها، واسعة، والمعبود واحد.

كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۖ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ(57)

التفسير المختصر:
ولا يمنعكم من الهجرة خوف الموت، كل نفس ذائقة الموت، ثم إلينا وحدنا ترجعون يوم القيامة للحساب والجزاء.
تفسير الجلالين:
 «كلُّ نفسٍ ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون» بالتاء والياء بعد البعث.
تفسير السعدي:
والموت لا بد أن ينزل بكم ثم ترجعون إلى ربكم.

وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ(58)

التفسير المختصر:
والذين آمنوا بالله وعملوا الأعمال الصالحات التي تقرب إليه لنسكننهم منازل عالية في الجنة تجري من تحتها الأنهار ماكثين فيها أبدًا، لا يلحقهم فيها فناء، نِعْم جزاء العاملين بطاعة الله هذا الجزاء.
تفسير الجلالين:
 «والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنُبوئنَّهم» ننزلنهم، وفي قراءة بالمثلثة بعد النون من الثواء: الإقامة وتعديته إلى غرفا بحذف في «من الجنة غرفا تجري من تحتها الأنهار خالدين» مقدّرين الخلود «فيها نِعم أجر العاملين» هذا الأجر.
تفسير السعدي:
فيجازي من أحسن عبادته وجمع بين الإيمان والعمل الصالح بإنزاله الغرف العالية، والمنازل الأنيقة الجامعة لما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين، وأنتم فيها خالدون.
ف نعم تلك المنازل، في جنات النعيم أَجْرُ الْعَامِلِينَ للّه.

الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ(59)

التفسير المختصر:
نِعْم جزاء العاملين بطاعة الله الذين صبروا على طاعته وعن معصيته، وعلى ربهم وحده يعتمدون في جميع أمورهم.
تفسير الجلالين:
 هم «الذين صبروا» أي على أذى المشركين والهجرة لإظهار الدين «وعلى ربهم يتوكلون» فيرزقهم من حيث لا يحتسبون.
تفسير السعدي:
الَّذِينَ صَبَرُوا على عبادة اللّه وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ في ذلك.
فصبرهم على عبادة اللّه، يقتضي بذل الجهد والطاقة في ذلك، والمحاربة العظيمة للشيطان، الذي يدعوهم إلى الإخلال بشيء من ذلك، وتوكلهم، يقتضي شدة اعتمادهم على اللّه، وحسن ظنهم به، أن يحقق ما عزموا عليه من الأعمال ويكملها، ونص على التوكل، وإن كان داخلا في الصبر، لأنه يحتاج إليه في كل فعل وترك مأمور به، ولا يتم إلا به.

وَكَأَيِّن مِّن دَابَّةٍ لَّا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(60)

التفسير المختصر:
كل الدواب - على كثرتها - التي لا تستطيع جمع رزقها ولا حمله اللهُ يرزقها ويرزقكم، فلا عذر لكم في ترك الهجرة خوفًا من الجوع، وهو السميع لأقوالكم، العليم بنياتكم وأفعالكم، لا يخفى عليه من ذلك شيء، وسيجازيكم عليه.
تفسير الجلالين:
 «وكأين» كم «من دابة لا تحمل رزقها» لضعفها «الله يرزقها وإياكم» أيها المهاجرون وإن لم يكن معكم زاد ولا نفقة «وهو السميع» لأقوالكم «العليم» بضمائركم.
تفسير السعدي:
أي: الباري تبارك وتعالى، قد تكفل بأرزاق الخلائق كلهم، قويهم وعاجزهم، فكم مِنْ دَابَّةٍ في الأرض، ضعيفة القوى، ضعيفة العقل.
لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا ولا تدخره، بل لم تزل، لا شيء معها من الرزق، ولا يزال اللّه يسخر لها الرزق، في كل وقت بوقته.
اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ فكلكم عيال اللّه، القائم برزقكم، كما قام بخلقكم وتدبيركم، وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ فلا يخفى عليه خافية، ولا تهلك دابة من عدم الرزق بسبب أنها خافية عليه.
كما قال تعالى: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ

وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ۖ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ(61)

التفسير المختصر:
ولئن سألت - أيها الرسول - هؤلاء المشركين: من خلق السماوات؟ ومن خلق الأرض؟ ومن سخر الشمس والقمر وهما يتعاقبان؟ لَيَقُولُنَّ: خلقهن الله، فكيف يُصْرَفون عن الإيمان بالله وحده، ويعبدون من دونه آلهة لا تنفع ولا تضرّ؟
تفسير الجلالين:
 «ولئن» لام قسم «سألتهم» أي: الكفار «من خلق السماوات والأرض وسخَّر الشمس والقمر ليقولُنَّ الله فأنّى يؤفكون» يصرفون عن توحيده بعد إقرارهم بذلك.
تفسير السعدي:
هذا استدلال على المشركين المكذبين بتوحيد الإلهية والعبادة، وإلزام لهم بما أثبتوه من توحيد الربوبية، فأنت لو سألتهم من خلق السماوات والأرض، ومن نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها، ومن بيده تدبير جميع الأشياء؟ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ وحده، ولَاعْتَرَفُوا بعجز الأوثان ومن عبدوه مع اللّه على شيء من ذلك.
فاعجب لإفكهم وكذبهم، وعدولهم إلى من أقروا بعجزه، وأنه لا يستحق أن يدبر شيئا، وسَجِّلْ عليهم بعدم العقل، وأنهم السفهاء، ضعفاء الأحلام، فهل تجد أضعف عقلا، وأقل بصيرة، ممن أتى إلى حجر، أو قبر ونحوه، وهو يدري أنه لا ينفع ولا يضر، ولا يخلق ولا يرزق، ثم صرف له خالص الإخلاص، وصافي العبودية، وأشركه مع الرب، الخالق الرازق، النافع الضار.
وقل: الحمد لله الذي بين الهدى من الضلال، وأوضح بطلان ما عليه المشركون، ليحذره الموفقون.
وقل: الحمد لله، الذي خلق العالم العلوي والسفلي، وقام بتدبيرهم ورزقهم، وبسط الرزق على من يشاء، وضيقه على من يشاء، حكمة منه، ولعلمه بما يصلح عباده وما ينبغي لهم.

اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ(62)

التفسير المختصر:
الله يوسع الرزق على من يشاء من عباده، ويضيقه على من يشاء؛ لحكمة يعلمها هو، إن الله بكل شيء عليم، لا يخفى عليه شيء، فلا يخفى عليه ما يصلح لعباده من تدبير.
تفسير الجلالين:
 «الله يبسط الرزق» يوسعه «لمن يشاء من عباده» امتحانا «ويقدر» يضيق «له» بعد البسط أي لمن يشاء ابتلاءه «إن الله بكل شيء عليم» ومنه محل البسط والتضييق.
تفسير السعدي:
هذا استدلال على المشركين المكذبين بتوحيد الإلهية والعبادة، وإلزام لهم بما أثبتوه من توحيد الربوبية، فأنت لو سألتهم من خلق السماوات والأرض، ومن نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها، ومن بيده تدبير جميع الأشياء؟ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ وحده، ولَاعْتَرَفُوا بعجز الأوثان ومن عبدوه مع اللّه على شيء من ذلك.
فاعجب لإفكهم وكذبهم، وعدولهم إلى من أقروا بعجزه، وأنه لا يستحق أن يدبر شيئا، وسَجِّلْ عليهم بعدم العقل، وأنهم السفهاء، ضعفاء الأحلام، فهل تجد أضعف عقلا، وأقل بصيرة، ممن أتى إلى حجر، أو قبر ونحوه، وهو يدري أنه لا ينفع ولا يضر، ولا يخلق ولا يرزق، ثم صرف له خالص الإخلاص، وصافي العبودية، وأشركه مع الرب، الخالق الرازق، النافع الضار.
وقل: الحمد لله الذي بين الهدى من الضلال، وأوضح بطلان ما عليه المشركون، ليحذره الموفقون.
وقل: الحمد لله، الذي خلق العالم العلوي والسفلي، وقام بتدبيرهم ورزقهم، وبسط الرزق على من يشاء، وضيقه على من يشاء، حكمة منه، ولعلمه بما يصلح عباده وما ينبغي لهم.

وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ۚ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ(63)

التفسير المختصر:
ولئن سألت - أيها الرسول - المشركين: من نزّل من السماء ماء فأنبت به الأرض بعد أن كانت قاحلة؟ ليقولنّ: أنزل المطر من السماء وأنبت به الأرض الله، قل - أيها الرسول -: الحمد لله الذي أظهر الحجة عليكم، بل الحاصل أن معظمهم لا يعقلون؛ إذ لو كانوا يعقلون لما أشركوا مع الله أصنامًا لا تنفع ولا تضرّ.
تفسير الجلالين:
 «ولئن» لام قسم «سألتهم من نزَّل من السماء ماءً فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولنَّ الله» فكيف يشركون به «قل» لهم «الحمد لله» على ثبوت الحجة عليكم «بل أكثرهم لا يعقلون» تناقضهم في ذلك.
تفسير السعدي:
هذا استدلال على المشركين المكذبين بتوحيد الإلهية والعبادة، وإلزام لهم بما أثبتوه من توحيد الربوبية، فأنت لو سألتهم من خلق السماوات والأرض، ومن نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها، ومن بيده تدبير جميع الأشياء؟ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ وحده، ولَاعْتَرَفُوا بعجز الأوثان ومن عبدوه مع اللّه على شيء من ذلك.
فاعجب لإفكهم وكذبهم، وعدولهم إلى من أقروا بعجزه، وأنه لا يستحق أن يدبر شيئا، وسَجِّلْ عليهم بعدم العقل، وأنهم السفهاء، ضعفاء الأحلام، فهل تجد أضعف عقلا، وأقل بصيرة، ممن أتى إلى حجر، أو قبر ونحوه، وهو يدري أنه لا ينفع ولا يضر، ولا يخلق ولا يرزق، ثم صرف له خالص الإخلاص، وصافي العبودية، وأشركه مع الرب، الخالق الرازق، النافع الضار.
وقل: الحمد لله الذي بين الهدى من الضلال، وأوضح بطلان ما عليه المشركون، ليحذره الموفقون.
وقل: الحمد لله، الذي خلق العالم العلوي والسفلي، وقام بتدبيرهم ورزقهم، وبسط الرزق على من يشاء، وضيقه على من يشاء، حكمة منه، ولعلمه بما يصلح عباده وما ينبغي لهم.

وَمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ ۚ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ(64)

التفسير المختصر:
وما هذه الحياة الدنيا - بما فيها من الشهوات والمتاع - إلا لَهْوٌ لقلوب المتعلقين بها ولعب، ما يلبث أن ينتهي بسرعة، وإن الدار الآخرة لهي الحياة الحقيقية لبقائها، لو كانوا يعلمون لَمَا قدّموا ما يفنى على ما يبقى.
تفسير الجلالين:
 «وما هذه الحياة الدنيا إلا لهوٌ ولعب» وأما القرَب فمن أمور الآخرة لظهور ثمرتها فيها «وإن الدار الآخرة لهي الحيوان» بمعنى الحياة «لو كانوا يعلمون» ذلك ما آثروا الدنيا عليها.
تفسير السعدي:
يخبر تعالى عن حالة الدنيا والآخرة، وفي ضمن ذلك، التزهيد في الدنيا والتشويق للأخرى، فقال: وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا في الحقيقة إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ تلهو بها القلوب، وتلعب بها الأبدان، بسبب ما جعل اللّه فيها من الزينة واللذات، والشهوات الخالبة للقلوب المعرضة، الباهجة للعيون الغافلة، المفرحة للنفوس المبطلة الباطلة، ثم تزول سريعا، وتنقضي جميعا، ولم يحصل منها محبها إلا على الندم والحسرة والخسران.
وأما الدار الآخرة، فإنها دار الحيوان أي: الحياة الكاملة، التي من لوازمها، أن تكون أبدان أهلها في غاية القوة، وقواهم في غاية الشدة، لأنها أبدان وقوى خلقت للحياة، وأن يكون موجودا فيها كل ما تكمل به الحياة، وتتم به اللذات، من مفرحات القلوب، وشهوات الأبدان، من المآكل، والمشارب، والمناكح، وغير ذلك، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ لما آثروا الدنيا على الآخرة، ولو كانوا يعقلون لما رغبوا عن دار الحيوان، ورغبوا في دار اللهو واللعب، فدل ذلك على أن الذين يعلمون، لا بد أن يؤثروا الآخرة على الدنيا، لما يعلمونه من حالة الدارين.

فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ(65)

التفسير المختصر:
وإذا ركب المشركون في السفن في البحر دعوا الله وحده مخلصين له الدعاء أن ينجيهم من الغرق، فلما نجاهم من الغرق انقلبوا مشركين يدعون معه آلهتهم.
تفسير الجلالين:
 «فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين» أي الدعاء، أي: لا يدعون معه غيره لأنهم في شدة لا يكشفها إلا هو «فلما نجّاهم إلى البر إذا هم يشركون» به.
تفسير السعدي:
ثم ألزم تعالى المشركين بإخلاصهم للّه تعالى، في حالة الشدة، عند ركوب البحر وتلاطم أمواجه وخوفهم الهلاك، يتركون إذا أندادهم، ويخلصون الدعاء للّه وحده لا شريك له، فلما زالت عنهم الشدة، ونجى من أخلصوا له الدعاء إلى البر، أشركوا به من لا نجاهم من شدة، ولا أزال عنهم مشقة.
فهلا أخلصوا للّه الدعاء في حال الرخاء والشدة، واليسر والعسر، ليكونوا مؤمنين به حقا، مستحقين ثوابه، مندفعا عنهم عقابه.

لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا ۖ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ(66)

التفسير المختصر:
انقلبوا مشركين ليكفروا بما أعطيناهم من النعم، وليتمتعوا بما أُعطُوا من زهرة الحياة الدنيا، فسوف يعلمون عاقبتهم السيئة عندما يموتون.
تفسير الجلالين:
 «ليكفروا بما آتيناهم» من النعمة «وليتمتعوا» باجتماعهم على عبادة الأصنام، وفي قراءة بسكون اللام أمر تهديد «فسوف يعلمون» عاقبة ذلك.
تفسير السعدي:
ولكن شركهم هذا بعد نعمتنا عليهم، بالنجاة من البحر، ليكون عاقبته كفر ما آتيناهم، ومقابلة النعمة بالإساءة، وليكملوا تمتعهم في الدنيا، الذي هو كتمتع الأنعام، ليس لهم همٌّ إلا بطونهم وفروجهم.
فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حين ينتقلون من الدنيا إلى الآخرة، شدة الأسف وأليم العقوبة.

أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ ۚ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ(67)

التفسير المختصر:
أَوَلم ير هؤلاء الجاحدون لنعمة الله عليهم حين نجاهم الله من الغرق نعمة أخرى؛ هي أنا جعلنا لهم حرمًا يأمنون فيه على دمائهم وأموالهم، على حين أن غيرهم تُشَنّ عليهم الغارات، فيُقْتلون ويُؤْسرون وتُسْبى نساؤهم وذراريهم، وتُنْهب أموالهم، أفبالباطل من آلهتهم المزعومة يؤمنون، وبنعمة الله عليهم يكفرون، فلا يشكروها لله؟!
تفسير الجلالين:
 «أَو لم يروْا» يعلموا «أنَّا جعلنا» بلدهم مكة «حرماً آمناً ويتخطف الناس من حولهم» قتلاً وسبياً دونهم «أفبالباطل» الصنم «يؤمنون وبنعمة الله يكفرون» بإشراكهم.
تفسير السعدي:
ثم امتن عليهم بحرمه الآمن، وأنهم أهله في أمن وسعة ورزق، والناس من حولهم يتخطفون ويخافون، أفلا يعبدون الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف.
أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وهو ما هم عليه من الشرك، والأقوال، والأفعال الباطلة.
وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هم يَكْفُرُونَ فأين ذهبت عقولهم، وانسلخت أحلامهم حيث آثروا الضلال على الهدى، والباطل على الحق، والشقاء على السعادة، وحيث كانوا أظلم الخلق.

وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ ۚ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ(68)

التفسير المختصر:
لا أحد أظلم ممن اختلق على الله كذبًا بأن نسب إليه شريكًا، أو كذب بالحق الذي جاء به رسوله، لا شك أن في جهنم مسكنًا للكافرين ولأمثالهم.
تفسير الجلالين:
 «ومن» أي لا أحد «أظلم ممن افترى على الله كذبا» بأن أشرك به «أو كذب بالحق» النبي أو الكتاب «لما جاءَه أَليس في جهنم مثوىّ» مأوى «للكافرين» أي فيها ذلك وهو منهم.
تفسير السعدي:
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فنسب ما هو عليه من الضلال والباطل إلى اللّه، أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ على يد رسوله محمد صلى اللّه عليه وسلم.
ولكن هذا الظالم العنيد، أمامه جهنم أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ يؤخذ بها منهم الحق، ويخزون بها، وتكون منزلهم الدائم، الذين لا يخرجون منه.

وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ(69)

التفسير المختصر:
والذين جاهدوا أنفسهم ابتغاء مرضاتنا لنوفقنهم لإصابة الطريق المستقيم، وإن الله مع المحسنين بالعون والنصر والهداية.
تفسير الجلالين:
 «والذين جاهدوا فينا» في حقنا «لنهدينَّهم سُبُلنا» أي طريق السير إلينا «وإن الله لمع المحسنين» المؤمنين بالنصر والعون.
تفسير السعدي:
وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا وهم الذين هاجروا في سبيل اللّه، وجاهدوا أعداءهم، وبذلوا مجهودهم في اتباع مرضاته، لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا أي: الطرق الموصلة إلينا، وذلك لأنهم محسنون.
وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ بالعون والنصر والهداية.
دل هذا، على أن أحرى الناس بموافقة الصواب أهل الجهاد، وعلى أن من أحسن فيما أمر به أعانه اللّه ويسر له أسباب الهداية، وعلى أن من جد واجتهد في طلب العلم الشرعي، فإنه يحصل له من الهداية والمعونة على تحصيل مطلوبه أمور إلهية، خارجة عن مدرك اجتهاده، وتيسر له أمر العلم، فإن طلب العلم الشرعي من الجهاد في سبيل اللّه، بل هو أحد نَوْعَي الجهاد، الذي لا يقوم به إلا خواص الخلق، وهو الجهاد بالقول واللسان، للكفار والمنافقين، والجهاد على تعليم أمور الدين، وعلى رد نزاع المخالفين للحق، ولو كانوا من المسلمين.
تم تفسير سورة العنكبوت بحمد اللّه وعونه.


الجلالين&الميسر تفسير ابن كثير تفسير القرطبي
التفسير المختصر تفسير الطبري تفسير السعدي
Al-Ankabut إعراب العنكبوت تفسير الشوكاني

تفسير المزيد من سور القرآن الكريم :

تفسير البقرة آل عمران تفسير النساء
تفسير المائدة تفسير يوسف تفسير ابراهيم
تفسير الحجر تفسير الكهف تفسير مريم
تفسير الحج تفسير القصص العنكبوت
تفسير السجدة تفسير يس تفسير الدخان
تفسير الفتح تفسير الحجرات تفسير ق
تفسير النجم تفسير الرحمن تفسير الواقعة
تفسير الحشر تفسير الملك تفسير الحاقة
تفسير الانشقاق تفسير الأعلى تفسير الغاشية

تحميل سورة العنكبوت بصوت أشهر القراء :

سورة العنكبوت  بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة العنكبوت  بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة العنكبوت  بصوت سعود الشريم
سعود الشريم
سورة العنكبوت  بصوت عبد الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة العنكبوت  بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة العنكبوت  بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة العنكبوت  بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة العنكبوت  بصوت الحصري
الحصري
سورة العنكبوت  بصوت العفاسي
مشاري العفاسي
سورة العنكبوت  بصوت ياسر الدوسري
ياسر الدوسري


لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب